مقياس النجاح الغائب الحاضر

aiBANK

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة مصر لنشر المعلومات سابقا

القدوة والمثل الأعلى هما مقياس مهم جدًّا عند البشر والقدوة تحدد مصائر شعوب بأكملها بل ومظهرهم وملبسهم وسلوكهم أيضًا.

E-Bank

في المجتمعات التقليدية كان القدوة هو كبير العائلة وكان الجميع يتطلعون إليه كغاية يطمحون للوصول إليها.

وهناك أيضًا ممثلون نجحوا في أن يكونوا مثلًا أعلى للشباب في المظهر والملبس والألفاظ والسلوك وإذا نظرنا إلى مظهر الطبقة المتوسطة في الستينيات والسبعينيات نجدها شبه مطابقة لفناني تلك الحقب.

وكم من شاب وفتاة سعى لأن يكون مظهره وحتى شعره بنفس قصة لاعب كرة مشهور أو ممثل أو مطرب محبوب حتى ينال أو تنال نفس القدر من الإعجاب الذي يحظى به هذا الشخص المشهور.

والطفل في سنواته الأولى حين تطالبه الأم بالأكل تحفزه بأنه إن استطاع أكل ما في الطبق سيكبر تمامًا مثل الوالدين ويكون قويًّا من فلان أضخم شخص بالعائلة.

إذًا هناك احتياج دائم داخل الإنسان للتخطيط للوصول لأهداف معينة ويراجع الإنسان منا نفسه باستمرار لمعرفة مدى النجاح أو بعد المسافة المتبقية للوصول لهدفه وإن كانت لا تزال بعيدة ساعتها وجب تغيير الخطة المتبعة أو الهدف.

مثال آخر عند ذهاب الوالدين بطفل حديث الولادة إلى الطبيب يقوم الأخير بقياسات الوزن والطول ومقارنتها بمتوسط الفئة العمرية للطفل لمعرفة إن كان طبيعيًّا أو سابقًا أو متخلفًا عن باقي الأطفال من نفس عمره لعمل أي شيء لازم لمعالجته.

وعلى الصعيد المؤسسي هناك خطط طويلة المدى تحتاج إلى المراجعة المستمرة وأخرى قصيرة المدى تصب في مصلحة الأولى يحددها القائمون على تلك المؤسسات ويحاول جميع العاملين تحقيقها ويتم قياس الأداء بصفة دورية ومقارنته بالأهداف لتقييم الأداء ومعرفة أسباب التأخير إن وجد وتقويمه إن وجب أو تحفيزه إن كان مرضيًّا لتجاوز تلك الأهداف.

قياس الأداء يتم بطريقتين الأولى موجودة والأخرى وإن كانت موجودة فهي غير متوفرة، أما عن الأولى فهي مقارنة البيانات التاريخية للشركة أو المؤسسة لقياس التطور>

فإذا قارنا المبيعات مثلًا شهرًا بشهر أو عامًا بعد عام نستطيع قياس النمو للمبيعات من عدمه بالنسبة لشركاتنا ولكن لا توفر هذه المعلومات مقياسًا مهمًّا وهو متوسط تطور المبيعات للشركات التي تعمل بنفس المجال ورجوعًا لمثل الطفل حديث الولادة وإن كان طفل ينمو لا نعرف إن كان نموه طبيعيًّا أم لا إذا لم تتوفر لدينا متوسطات الطول والوزن لنفس الفئة العمرية.

إذًا فلا بدَّ من وفرة المعلومات الخاصة بمتوسطات مؤشرات الأداء لجميع الأنشطة لتحليلها ومقارنتها ببيانات المؤسسات للقدرة على التخطيط والقياس والنجاح ودون تلك المؤشرات نكون كمن يقود سيارة في سباق دون القدرة على رؤية ما يحدث في حلبة السباق.

شاركت الشهر الماضي في عدة مجالس إدارة وجمعيات عمومية خاصة بشركات جمعيات أشرف بعضويتها في عدة مجالات منها الخدمات الاجتماعية والتمويل المتناهي الصغر والخدمات المالية والتكنولوجيا والصناعة والتجارة والتوزيع أي أنها مجالات مختلفة تمامًا متنوعة ووجدت نفس التحدي وهو غياب المعلومة الخاصة بمتوسطات المؤشرات للنشاط أو للشركات التي تعمل بنفس المجال>

تلك المتوسطات تستطيع الشركات الناجحة الغنية والتي تمتلك من الموارد المالية ما يكفي للتعاقد مع شركات متخصصة في أبحاث السوق للقيام بتلك المهمة وجمع البيانات>

وإن قامت شركة أبحاث التسويق بمهمتها على أكمل وجه تظل تلك البيانات غير دقيقة نسبيًّا وإن كانت مؤشرًا مهمًّا يمكن أن يكون قدوة لصناع القرار، أما الشركات الصغيرة والمتوسطة والجمعيات المسؤولة عن التمويل متناهي الصغر وهي واحدة من أهم قاطرات النمو التي يراهن عليها اقتصادنا فليس لها تلك القدرة وهي تقود السيارة في حلبة السباق دون القدرة على متابعة ما يحدث حولها.

بالقانون تقدم كل شركات الأموال المساهمة وذات المسؤولية المحدودة بيانات مالية للجهات الرقابية أو المنظمة لها وكذلك كل من يعمل في التمويل المتناهي الصغر.

للأسف لا تزال تلك التقارير ورقية وإن كانت إلكترونية فهي في صورة غير رقمية أي لا يمكن إجراء أي عمليات حسابية عليها إلا بعد إعادة إدخالها في قاعدة بيانات بصورة رقمية.

هذا الجهد لا بدَّ أن تقوم به الجهات الرقابية وتوفير تلك المؤشرات لصانعي القرارات بالسوق لتحفيز النمو. كما يجب توفير البنية التحتية والأدوات اللازمة للحصول على البيانات بصورة رقمية مستقبلًا لحساب تلك المؤشرات وتوفيرها.

مطلب متواضع لا يحتاج إلى إعادة اختراع العجلة سبقتنا فيه دول أقل قدرة وإمكانية وإن قيدته السياسات الداخلية واللوائح والقوانين لا يزال مطلبًا سهل المنال وواجب الوجود وإلا سنستمر في القيادة دون القدرة على الرؤية مما يجعل الوصول إلى الهدف أحوج إلى المعجزة من القدرة على الإدارة.

الرابط المختصر