وهم الأموال مقابل الأمن

aiBANK

بقلم مجدي سرحان ـ رئيس مجلس إدارة جريدة حابي

ما كشفته صحيفة «واشنطن بوست» مؤخرا.. لا أراه جديدا.. أو غريبا.. ترامب ومستشاره زوج ابنته الصهيوني يسيطر على رأسيهما وهم كبير.. اسمه صفقة تسوية الصراع العربي الإسرائيلي عن طريق شراء أو «رشوة» أطرافه المباشرة بحفنة دولارات.. الفلسطينيين بشكل خاص.. مع القفز على القضية الأساسية.. أي قضية الدولة الفلسطينية المستقلة.. وتفاصيلها التي تشمل على سبيل المثال مسائل الأرض والمياه واللاجئين.. والقدس.. وأيضا مع نسف كل مرجعيات وأسس ما سبق التوصل اليه من اتفاقات..!!.

E-Bank

•• الصحيفة الأمريكية

كشفت وفقا لما تناقلته وسائل إعلام عالمية عن أن خطة ترامب ـ كوشنير المسماه بـ «صفقة القرن» ستشمل حوافز اقتصادية كبيرة للفلسطينيين تعمل على تحسين حياتهم.. لكنها على الأرجح لا تتضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة لهم.. ولا تستند على «حل الدولتين».

والمتتبع لما صدر عن واشنطن من أفعال وأقوال منذ بدأت حملة الترويج لصفقة الوهم هذه.. بما في ذلك الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال وأيضا الزج بالفلسطينيين داخل آتون الأزمات الاقتصادية بمنع كل أشكال الدعم المادي عنهم.. سيرصد بسهولة أن الأمريكيين أسقطوا من حساباتهم مسألة «الدولة الفلسطينية» ويريدون اختزال الأمر كله في معادلة «الأموال للفلسطينيين مقابل الأمن للإسرائيليين».. وهذه الأموال لن يدفعها الأمريكيون أو الإسرائيليون بالطبع.. لكن تدفعها أطراف عربية أخرى.

أي أن الأمريكيين يصدِّرون الأزمات المالية والمعيشية للفلسطينيين ويساومونهم على حلها بأموال العرب.. مقابل ضمان الأمن لدولة الاحتلال والتنازل الى الأبد عن حل دولتهم المستقلة العادل.. وللأسف يساعدهم قادة بعض الفصائل الفلسطينية على التمادي في هذا الظلم.. بانقسامهم وصراعاتهم التي تضعفهم وتسوقهم الى القبول بتقديم التنازلات تلو التنازلات..!!.

•• ولكن

هل سيقبل الفلسطينيون.. الشعب وليس القيادات.. بمثل هذه « القِسْمَة الضِّيزَى» التي تجور على أبسط حقوقهم في العيش داخل دولة مستقلة تقام فوق جزء من أراضي وطنهم المحتل.. وليست أية أرض أخرى.. لا في سيناء ولا غيرها من أراضي الجيران العرب..؟!.

بالطبع لا.. مهما كان الثمن.. ومهما كانت قيمة هذه الرشوة التي لا نستغرب أن تكون هناك قيادات عربية قبلت بدفعها من أموال شعوبها.

أيضا.. لن تقبلها الشعوب العربية والقوى الدولية التي تتمسك بمواقفها القائمة على ضرورة أيجاد حل عادل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي.. يقوم على الالتزام بالقرارات الشرعية الدولية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

وهو ما تتمسك به أيضا القيادة المصرية وتعلنه أمام كل المحافل الدولية.. وأكد عليه مؤخرا الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته للولايات المتحده ولقائه مع الرئيس الأمريكي ترامب.

•• ماذا يعني ذلك؟

يعني أن الأمريكيين لا يريدون في حقيقة الأمر «صفقة سلام» لكنهم يريدونها «صفقة استسلام» تلتهم ما تبقى للفلسطينيين من حقوق.. وتنتهي بتصفية القضية الفلسطينية.. على طريقة فرض سياسة الأمر الواقع.

وهذا وهم كبير لا يعكس الا حالة الجهل والسفه التي يعانيها الرئيس الأمريكي وصهره أو «ولي عهده» جاريد كوشنر وفقا للوصف الساخر الذي أطلقه عليه الكاتب الانجليزي روبرت فيسك.. والذي نجد من المناسب جدا أن نعيد الإشارة الى رأي فيسك نفسه في هذه الصفقة.. حيث يشكك في إمكانية قبول الفلسطينيين بتسوية الصراع مع إسرائيل مقابل المال بعد ثلاث حروب بين العرب وإسرائيل.. وعشرات الآلاف من القتلى وملايين اللاجئين.

مؤكدا أن «كوشنر» ـ وتابعه ترامب في رأينا ـ تسيطر عليه الأوهام إن كان يعتقد أن هذه الصفقة ستنجح.. وأن الفلسطينيين الذين خسروا وطنهم قبل نحو 70 عاماً لم يتظاهروا مرة واحدة في شوارعهم المدمّرة طلباً لشوارع أفضل أو مناطق حرة خالية من الضرائب.. فكيف يمكن لكوشنر أن يُهين كل الشعوب العربية بمطالبتهم بمقايضة حرّيتهم واستقلالهم وسيادتهم وكرامتهم وهويتهم بالمال..؟!.

•• باختصار: «صفقة القرن» ليست إلا وهم كبير سرعان ما سيتحول الى سراب بعد أن يرحل ترامب عن «العرش الأمريكي».. إنما هم يريدون الترويج لوجود حل لديهم.. يعلمون أن الفلسطينيين يرفضونه.. وكذلك العرب.. فيحملونهم مسئولية «اللا حل».

الرابط المختصر